وداعا شيخ الدولة ورمز القبلية في اليمن

وداعا شيخ الدولة ورمز القبيلة


"خرجت أمةٌ تشيع نعشا وعلى النعش أمة وعبابا"
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]محمد السامعي
حينما خرجت الأمة اليمنية لتشيع جثمان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي وافته المنية في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ، أدركتُ أنها خرجت لتودع برحيله جيلا بأكمله وحصنا شامخا من حصون اليمن المنيعة، نعم لقد ودعت شيخ الدولة ورمز القبيلة ومهندس الدستور، وصانع التأريخ، ورائد الوفاق، الذي عاش حياته في غمرة الأحداث من أسى إلى أسى باحثا عن مرفأ للوطن، وعن استقرار لمجتمع لم يكتب له الإستقرار حتى اللحظة.
خرجت الأمة اليمنية لتوديع شيخها وهي تدرك الحجم التاريخي والقبلي والسياسيالذي كان يمثله في ضبط ميزان الحياة السياسية اليمنية من خلال الدور المزدوج الذي كان يلعبه دائما كرجل دولة من ناحية وكشيخ ومناضل من ناحية أخرى، وهو الشئي الذي تنبهت له القيادة السعودية منذ زمن ليس بالقريب فعملت بالمبدأ القائل "أنزلوا الرجال منازلهم" فانزلته المنزلة التي يستحقها وتعاملت معه تعاملها مع أفراد الأسرة المالكة إلى الحد الذي لم تتركه يغادر تراب البلد الطاهر حتى وهو ميت إلا بعد الصلاة عليه وتوديعه من قبل ولاة الأمر في المملكة وعلى رأسهم الأمير سلطان والأمير سلمان -حفظهما الله- الذين أصروا إلا أن يودعوا أخاهم الشيخ قبل نقل جثمانه إلى العاصمة صنعاء.
إنه الشيخ...كان سباقا للمكارم محبا للخير ، شجاعا، مقداما، حكيما، خدوما، جاهه مرفوعا وكلمته مسموعة، يعين على فعل الخير أينما وجد، اتسم برجاحة العقل وحسن التدبير ومنطقية التصرف حتى في أحلك الظروف، فكان دولة في رجل وأمة في فرد، ناضل، وثابر، وجاهد ولكنه مات دون أن يتحقق حلمه الأكبر في حصول الفلسطينين على حقوقهم وتحقيق الوفاق بين الفرقاء الأشقاء هناك.
كما أنه كان من أشد المحافظين على حسن الجوار ومن أكثر السياسين الذين يجيدون قرأة المستقبل عن كثب، فقد كان رحمه الله من أبرز الذين ساهموا في إنهاءمشكلة الحدود اليمنية السعودية ومن أكثر الذين عملوا على مواجهة التداعيات الخطيرة حول تلك الأزمة حتى تم الاتفاق وانتهت المشكلة كليا، فضلا على أنه كان من أكثر الرافضين لسياسة العراق في غزو الكويت بداية الأزمة .
ولقد كان رحمه الله أنموذجا للرجل العربي والإسلامي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما أنه كان يمثل الإنسان اليمني شديد الانتماء الى مجتمعه سواء بزيه المتفرد ذا الصبغة الخاصة وخنجره اليماني المشهور أو بعمامته العربية التي لم يراه أحد يوما بدونها على الإطلاق، ولهذا سيضل عبدالله الأحمر موشوما في ذاكرة الأجيال كواحد من أبرز العضماء في التاريخ اليمني وسيضل في ذاكرة اليمن واليمنيين وحده "الشيخ" الذي حمل هذا اللقب فاستحقه عن جدارة، و خلافا للتصور الذي يقول أن الحسّ القبلي في عصر الشيخ تم توظيفه في السياسة أو جرى التأكيد عليه بشكل غير مسبوق في البلد حديث الديمقراطية يسود اليوم اعتقاد راسخ مع وفاة الشيخ بأن القبيلة كشكل من أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي المُعتمد على روابط القرابة والحيّز المكاني والقيادة، ستشهد حالة من الركود والتراجع لأسباب سياسية لن تكن أبدا بمعزل عن الدولة وإنما قد تأتي تماشياً مع رغبتها خصوصا وأن تأثير القبيلة امتدّ في الأوقات السابقة إلى مختلف القطاعات الثقافية والعسكرية والأمنية، والسياسية والاقتصادية، وبرحيل الشيخ من المحتمل أيضا أن تشكل خارطة جديدة للسياسة اليمنية يعاد من خلالها صياغة لعلاقة جديدة بين الدولة والقبيلة في اليمن خصوصا وأن القبيلة فقدت أحد أبرز رموزها في البلد إن لم نقل الرمز الأساسي لها